
فإن قيل: كيف يميِّز النَّاس بين ذلك، إذ ليس كلُّهم في درجةٍ واحدة ؟
قلتُ: إنَّ المسلم لا يخلو وضعُه مِن حالتين:
الأولى:
أن يكون مِمَّن يُميِّز صحيحَ الحديث مِن ضعيفه، أي: له إلمامٌ بعِلم
الرِّواية وبحثِ السَّند، وله درايةٌ بأصولِ البحث وضوابطه؛ فهذا عليه أن يبحثَ في الأسانيد وينظرَ فيها، ويتحرَّى الصحيحَ وينقلَه للنَّاس ويستفيدَ مِن جهود من سَبَقه في التَّصحيح والتَّضعيف.
الثَّانية:
أن يكونَ ممن لا قدرةَ له على تمييز صحيحِ الأخبار، ولا درايةَ له بِفَنِّ الآثار؛ فحينها يجب عليه التَّقليدُ، وعليه أن يطلعَ على جهود غيره من العلماء المحقِّقين فيقلِّدهم في التَّصحيح والتضعيف، وينقل ما صحَّحوه ويعزف عما ضعَّفوه ويلجأ إلى الكتب التي اشترطت الصحَّةَ حقًّا ولا تخل بذلك وتلقَّتها الأمة بالقبول كالصَّحيحين، فهذا يقلد هنا كما يقلد في مسائلِ الفقه الاجتهاديَّة فينظر في كتب المحقِّقين كأمثال: الزيلعي صاحب نصب الرَّاية، والحافظ ابن القطان وزين الدِّين العراقي والحافظ ابن حجر والألباني، وغيرهم من الأئمة -رحمة الله عليهم-.
وفي هذا الصَّدد يقول الإمامُ مسلمٌ -رحمهُ اللهُ- في مقدِّمة صحيحِه [(1/ 19- 21) بشرح النَّووي]: «واعلم -وفقك اللهُ - أن الواجبَ على كل أحد عرف التَّمييز بين صحيح الرِّوايات وسقيمِها، وثقات النَّاقلين لها، من المتهمِّين، أن لا يَرويَ منها إلا ما عرف صحَّة مخارجِه، والسِّتارة في ناقِليه، وأن يتَّقي منها ما كان عن أهلِ التُّهَم والمعانِدين مِن أهل البدع» اهـ.
قلتُ: تأمل قوله: «عرف التَّمييز بين صحيح الرِّوايات وسقيمها وثقات الناقلين لها...» أي: من عنده علم بتمييز ثقات النَّاقلين للرِّوايات من المتَّهمين، الواجبُ عليه أن لا يَروي منها إلا ما عرف صحَّة مخارجه وصَحَّ سندُه، ومفهومُه أن مَن ليس عنده ذلك؛ عليه أن يقلِّد أهلَ التَّمييز، فتأمل.
الكتاب : تحذير الخلان من رواية الأحاديث الضعيفة حول رمضان
اقرا ايضا مصر من نافذة التاريخ
اقرا ايضاأنا وحماري--خوان رامون خمينث.PDF
المؤلف: أبي عمر عبدالله بن محمد الحمادي
الناشر : دار ابن حزم - بيروت
الطبعة : الاولى 2002م
الحجم : 6.3 م.ب.
عدد الصفحات : 375
معاينة الكتاب : Archive - G.Drive
