“أنا شاعر، والعمارة هى شعر من الحجر والطين، ولهذا سأُشعر وأُردد، يوما ما سأُشيد لكم قصور ومساجد”
تحفظُ لنا المصادر التّاريخية حكاية الشّاعر إسحاق إبراهيم الساحلى (الطويجن علماً). وهوّ معماري أندلسي إنتقل إلى تنبكتو و استقرت ذريتهُ في ولاتة!
يقول ابن خلدون في العبر، أثناء حديثهِ عن منسى سليمان "واعلم أن منسى موسى الذي ذكرناه كان من كبار الملوك كما قلنا وهو الذي صحبه أبو إسحاق الساحلي المعروف بالطويجي من شعراء الأندلس كان قد لقيه في موسم بعرفة فحلى بعينه وحظيت منزلته عنده فصحبه إلى بلاده وأقام عنده مصحوبا بالبر والكرامة وبنى للسلطان المذكور قبة رائعة فازدادت حظوته عنده." و قال الوزّان مُشيداً ببراعتهِ في الهندسة: “ودور تنبكتو عبارة عن اكواخ مبنية بأوتاد مملوطة بالطين ومسقوفة بالتبن. وفي وسط المدينة مسجدٌ مبنيٌ بالحجر، المركّب بالطين والجير، على يد مهندس أندلسي… وقصر كبير من بناء نفس المعلّم المهندس”.
ويذكر المقرى التلمسانى فى كتاب نفح الطيب: "منهم أبو إسحاق الساحلي المعروف بالطويجن – بضم الطاء المهملة وفتح الواو وسكون الياء التحتية وكسر الجيم وقيل بفتحها – العالم المشهور والصالح المشكور والشاعر المذكور من أهل غرناطة من بيت صلاح وثروة وأمانة وكان أبوه أمين العطارين بغرناطة وكان مع أمانته من أهل العلم فقيها متفننا وله الباع المديد في الفرائض وأبو إسحاق هذا كان في صغره موثقا بسماط شهود غرناطة وارتحل عن الأندلس إلى المشرق فحج ثم سار إلى بلاد السودان فاستوطنها ونال جاها مكينا من سلطانها وبها توفي رحمه الله تعالى انتهى ملخصا من كلام الأمير ابن الأحمر في كتابه نثير الجمان فيمن نظمني وإياه الزمان."
لقد عانى السّاحلي كثيراً في غرناطة، فذلك ما أشار ابن الخطيب في "الإحاطة" حيثُ قال أنه كان مغرَّباً أو مُبعداً عن غرناطة، محظوراً عليه العودة إليها. ويعود السّببُ في ذلك إلى عدم التسامح وسوء الفهم السائد أنذاك، حيث أتُهم بالهرطقة على الرغم من وضعه فى البلاط الملكى وكونه من كبارالأدباء، ولم يتم الاعتراف به قبل أن يتم نفيه، وحتى وقت سقوط غرناطة كان من غير المسموح التحدث عنه وذكره بشئ كما يقولُ المؤرخ المالي إسماعيل ديادي حيدرة الذي تحتضنُ مكتبةُ أسرتهِ "التراث الوثائقي الأندلسي الأكثر أهمية خارج إسبانيا".
في عام (1999) حاولّ فقيد الأندلسيات المغربي محمد بن شريفة الذي ودعنا مأسوفاً عليه هذا العام، أن ينتشل رفاتَ ذكراهِ من بين مفازات التّاريخ، ودرسّهُ كعلمٍ "من أعلام التواصل بين بلاد المغرب و بلاد السودان ( أنظر محمد بن شريفة : أعلام التواصل بين بلاد المغرب و بلاد السودان : معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، 1999، ص111.) وقد أفادنا أنّه خلّفَ ذُريّةً مِن نسائهِ و إمائهِ الماليات ذكَرهم ابن الخطيب مازحاً وشبّههم بالخنَافسة، وتحدّث عنهم ابن خَلدون في تاريخهِ جاداً فَقال إنّهم كانوا وقتَ تَدوينِ تاريخهِ ما يزالونَ يعيشُونَ على ما كانَ لوالِدهم من جاهٍ ولكنّهم انتقلوا مِن تنبَكتو إلى ولاتَه. وَذكرَ في رحلتهِ حفيداً للسّاحلي لقيَه -بالينبع- وهوّ في طريقهِ إلى الحج فقال : "وكنتُ لما نزلتُ بالينبع لقيتُ بها الفَقيه الأديب المُتفنِن أبا القاسم بن محمد بن شيخِ الجماعة وفارسُ الأدباء ومُنَفّق سوقِ البلاغة إبي إسحاق ابراهيم السّاحلي المعروفِ جدّه بالطّويجن، وقد قدِم حاجاً، وفي صُحبتهِ كتابُ رسالةٍ من صاحبنا الوزير الكبير العالم كاتبُ سرِ السّلطان ابن الأحمر صاحبُ غرناطة الحظي لديه أبي عبد الله بن زمرك" فهل هذا الحَفيد ولد لأحدِ أولئك "الخنافسة" الذينَ ذكر ابن خلدون قبلُ أنهم استوطونوا ولاتة؟
وهل يدلُ حمله لرسالةِ وزير غرناطة على أنهم أو بعضهم انتقلوا إلى غرناطة؟
سؤال في الحقيقة تصعبُ الإجابة عنه.
وبنرة أسى لا تخفى يقول ابن شريفة "ولكن لئن نسيتهُ المُدونات التاريخية السُودانية فإنّ الرِواية الشّفهية ما تزالُ تُرددُ حتى اليوم في ولاتة خبرَ شاعرٍ تَنسبُ له الطِرازَ الهَندسي الموجودِ في هذه المَدينة، وما هوّ إلا السَاحلي الذي استقرَ أولادهُ فيها ولعلَهم كانوا مِن النواةِ الأولى للحَركة العِلمية التي ظَهرت فيِها في عهدِ مملكة السُونغاي وما تلاها."
وفي سنة (2008) صدرَت للكاتب والسياسى الإشبيلى مانويل بيمنتيل Manuel Pimentel رواية تاريخية بعنوان El arquitecto de Tombuctú, Es Saheli, granadino ”معمارى تمبكتو” ويُعدُ هذا الأعمل هوّ الأول من نوعه الذي يهتم به ورحالاتهِ في كل من المشرق و بغداد و دمشق و تنبكتو.
يقولُ مانويل بالكثير من الإعتزاز هذا الشّاعر المنسي الذي يرقد بدون غرناطة في تنبكتو : "الساحلى عبقرى غرناطى فقده التاريخ، فهو يستحق هذا العمل وكل هذا العناء".
لقد كان السّاحلي يتمتعُ بخصلة وفاءٍ نادرة حسبَ ابن الخطيب فقد "كان أبو إسحاق نسيج وحده فى الآداب، نظماً ونثراُ، لا يُشقَّ فيها غُباره، ولم ينقطع وهو فى مالى عن مخاطبة أصدقاء صباه فى غرناطة".
تُوفيّ رحمه الله -حسبُ أبو المكارم منديل بن آجروم- يوم الاثنين 27 جمادى الأخيرة سنة 747هجرية بتنبكتو.
تحفظُ لنا المصادر التّاريخية حكاية الشّاعر إسحاق إبراهيم الساحلى (الطويجن علماً). وهوّ معماري أندلسي إنتقل إلى تنبكتو و استقرت ذريتهُ في ولاتة!
يقول ابن خلدون في العبر، أثناء حديثهِ عن منسى سليمان "واعلم أن منسى موسى الذي ذكرناه كان من كبار الملوك كما قلنا وهو الذي صحبه أبو إسحاق الساحلي المعروف بالطويجي من شعراء الأندلس كان قد لقيه في موسم بعرفة فحلى بعينه وحظيت منزلته عنده فصحبه إلى بلاده وأقام عنده مصحوبا بالبر والكرامة وبنى للسلطان المذكور قبة رائعة فازدادت حظوته عنده." و قال الوزّان مُشيداً ببراعتهِ في الهندسة: “ودور تنبكتو عبارة عن اكواخ مبنية بأوتاد مملوطة بالطين ومسقوفة بالتبن. وفي وسط المدينة مسجدٌ مبنيٌ بالحجر، المركّب بالطين والجير، على يد مهندس أندلسي… وقصر كبير من بناء نفس المعلّم المهندس”.
ويذكر المقرى التلمسانى فى كتاب نفح الطيب: "منهم أبو إسحاق الساحلي المعروف بالطويجن – بضم الطاء المهملة وفتح الواو وسكون الياء التحتية وكسر الجيم وقيل بفتحها – العالم المشهور والصالح المشكور والشاعر المذكور من أهل غرناطة من بيت صلاح وثروة وأمانة وكان أبوه أمين العطارين بغرناطة وكان مع أمانته من أهل العلم فقيها متفننا وله الباع المديد في الفرائض وأبو إسحاق هذا كان في صغره موثقا بسماط شهود غرناطة وارتحل عن الأندلس إلى المشرق فحج ثم سار إلى بلاد السودان فاستوطنها ونال جاها مكينا من سلطانها وبها توفي رحمه الله تعالى انتهى ملخصا من كلام الأمير ابن الأحمر في كتابه نثير الجمان فيمن نظمني وإياه الزمان."
اقرا ايضافجر طاقتك الكامنة في الاوقات الصعبة
لقد عانى السّاحلي كثيراً في غرناطة، فذلك ما أشار ابن الخطيب في "الإحاطة" حيثُ قال أنه كان مغرَّباً أو مُبعداً عن غرناطة، محظوراً عليه العودة إليها. ويعود السّببُ في ذلك إلى عدم التسامح وسوء الفهم السائد أنذاك، حيث أتُهم بالهرطقة على الرغم من وضعه فى البلاط الملكى وكونه من كبارالأدباء، ولم يتم الاعتراف به قبل أن يتم نفيه، وحتى وقت سقوط غرناطة كان من غير المسموح التحدث عنه وذكره بشئ كما يقولُ المؤرخ المالي إسماعيل ديادي حيدرة الذي تحتضنُ مكتبةُ أسرتهِ "التراث الوثائقي الأندلسي الأكثر أهمية خارج إسبانيا".
في عام (1999) حاولّ فقيد الأندلسيات المغربي محمد بن شريفة الذي ودعنا مأسوفاً عليه هذا العام، أن ينتشل رفاتَ ذكراهِ من بين مفازات التّاريخ، ودرسّهُ كعلمٍ "من أعلام التواصل بين بلاد المغرب و بلاد السودان ( أنظر محمد بن شريفة : أعلام التواصل بين بلاد المغرب و بلاد السودان : معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، 1999، ص111.) وقد أفادنا أنّه خلّفَ ذُريّةً مِن نسائهِ و إمائهِ الماليات ذكَرهم ابن الخطيب مازحاً وشبّههم بالخنَافسة، وتحدّث عنهم ابن خَلدون في تاريخهِ جاداً فَقال إنّهم كانوا وقتَ تَدوينِ تاريخهِ ما يزالونَ يعيشُونَ على ما كانَ لوالِدهم من جاهٍ ولكنّهم انتقلوا مِن تنبَكتو إلى ولاتَه. وَذكرَ في رحلتهِ حفيداً للسّاحلي لقيَه -بالينبع- وهوّ في طريقهِ إلى الحج فقال : "وكنتُ لما نزلتُ بالينبع لقيتُ بها الفَقيه الأديب المُتفنِن أبا القاسم بن محمد بن شيخِ الجماعة وفارسُ الأدباء ومُنَفّق سوقِ البلاغة إبي إسحاق ابراهيم السّاحلي المعروفِ جدّه بالطّويجن، وقد قدِم حاجاً، وفي صُحبتهِ كتابُ رسالةٍ من صاحبنا الوزير الكبير العالم كاتبُ سرِ السّلطان ابن الأحمر صاحبُ غرناطة الحظي لديه أبي عبد الله بن زمرك" فهل هذا الحَفيد ولد لأحدِ أولئك "الخنافسة" الذينَ ذكر ابن خلدون قبلُ أنهم استوطونوا ولاتة؟
وهل يدلُ حمله لرسالةِ وزير غرناطة على أنهم أو بعضهم انتقلوا إلى غرناطة؟
سؤال في الحقيقة تصعبُ الإجابة عنه.
وبنرة أسى لا تخفى يقول ابن شريفة "ولكن لئن نسيتهُ المُدونات التاريخية السُودانية فإنّ الرِواية الشّفهية ما تزالُ تُرددُ حتى اليوم في ولاتة خبرَ شاعرٍ تَنسبُ له الطِرازَ الهَندسي الموجودِ في هذه المَدينة، وما هوّ إلا السَاحلي الذي استقرَ أولادهُ فيها ولعلَهم كانوا مِن النواةِ الأولى للحَركة العِلمية التي ظَهرت فيِها في عهدِ مملكة السُونغاي وما تلاها."
وفي سنة (2008) صدرَت للكاتب والسياسى الإشبيلى مانويل بيمنتيل Manuel Pimentel رواية تاريخية بعنوان El arquitecto de Tombuctú, Es Saheli, granadino ”معمارى تمبكتو” ويُعدُ هذا الأعمل هوّ الأول من نوعه الذي يهتم به ورحالاتهِ في كل من المشرق و بغداد و دمشق و تنبكتو.
يقولُ مانويل بالكثير من الإعتزاز هذا الشّاعر المنسي الذي يرقد بدون غرناطة في تنبكتو : "الساحلى عبقرى غرناطى فقده التاريخ، فهو يستحق هذا العمل وكل هذا العناء".
لقد كان السّاحلي يتمتعُ بخصلة وفاءٍ نادرة حسبَ ابن الخطيب فقد "كان أبو إسحاق نسيج وحده فى الآداب، نظماً ونثراُ، لا يُشقَّ فيها غُباره، ولم ينقطع وهو فى مالى عن مخاطبة أصدقاء صباه فى غرناطة".
تُوفيّ رحمه الله -حسبُ أبو المكارم منديل بن آجروم- يوم الاثنين 27 جمادى الأخيرة سنة 747هجرية بتنبكتو.
* كاتب موريتاني.