مسرحية ملك الغرفة المظلمة ل رابندر طاغور
مقدمة عن ترجمة ملك الغرفة المظلمة
بعيداً عن ثقافة الغرب التي طالما عشنا في تبعيتها نحاول هنا أن ننهل من ثقافة الشرق العريق و نلجأ إلى واحد من أبرز أبناء هذه الثقافة ألا وهو رابندرانات طاغور ... الذي قال ( إني على استعداد أن افتح نوافذي في وجه الرياح، لكن شريطة ألا تقتلني هذه الرياح)
وهو الذي ولد بكلكتا في 6 مايو عام 1861 وتوفى في السابع من أغسطس عام 1941 – عن ثمانين عاما ... حيث تزوج عام 1884 لكنه فقد بعد ذلك زوجته وابنته الكبرى وابنه الأصغر ، وألف ستين كتابا – كتب أغلبها بالبنغالية ، وترجم بنفسه – الكثير منها إلى الإنجليزية .. و التي كان من بينها مسرحية " ملك الغرفة المظلمة"1910 وهو النص الذي كان من حيثيات حصولها على جائزة نوبل
وهو شاعر وفيلسوف ، وروائي، وكاتب مسرح..وموسيقي.. وضع الحانا لأكثر من ثلاثة الآفة أغنية ..ولحن نشيد الهند القومي. رغم أنه لم يمر بنظام التدريب الموسيقي المحكم. وعنى في أخريات حياته بالتصوير ، وعرضت صوره الزيتية في كثير من عواصم العالم ..و التي يقول عنها ( إن صوري هي نظير للشعر في خطوط )
ويقول عنها أيضا (نقبت في كهف الإنسان الكامن في عقلي ، وما يحتويه من رسوم الحيوان المحفورة). وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1913 فاستخدم قيمتها ( وكانت وقتئذ ثمانية آلاف جنيه) – في توسيع مدرسته ( مدرسة سانتينيكتان Santiniketan)) أى منزل السلام التي أسسها عام 19010 في ضيعته التي تبعد عن كلكتا بمئة وخمسين كيلومترا .
وجاء وحي إنشائها من المثل الأعلى لمدارس (تابفانا ) ومعناها : (تأملات في الغابة ) وهي مدارس الهند القديمة ومن روح جورو ديفا guru deva deva التي تحررت من كل عقال، ونموذجها المجسم مدرسة (فسواباراتي) وشعارها – ( هنا يلتقي العالم ) ويربط طاغور في مسرحياته العديدة ، بتمكن كبير ما بين عناصر الدراما الغربية التي أستوعبها وتبحر في معرفتها وما بين الدراما السنسكريتية Sanskrit التي كانت تقدم في القرون الميلادية الأولى بالقصور ..حيث كان يسبق تقديمها تلاوة الصلاوت في مكان طوله مائة قدم وعرضه خمسين قدما- ما بين أربعة أعمدة – ترمز إلى الطبقات الأربع (وهم : البراهمة أي الطبقة العليا ، و الملوك والمحاربون ، والفلاحون ، والخدم ) . نصبت في كل ركن، وعليها يعقد البناء.
وعندما يوضع الأساس ، وقبل بدء الطقوس الدينية ، يقوم المؤلف بأداء التمثيل وقد تم هيامه بالتمام .ويسود هذا المسرح شعور بالرهبة و المهابة . ويواجه هذا المسرح جمهور النظارة ، وفي كل جانب من جانبيه جزء قائم بذاته ، وفي الخلف ستارة ، يمكن إزاحتها إذا دعت الضرورة تحجب وراءها جزءا أخر من المسرح ينتهي بحائط من المناظر الخلفية ذات الزخارف الفخمة ويحافظ هذا المسرح على التقاليد التي تراعي في كل ما يتصل (بالتمثيل) فالملابس و المكياج وحركات الممثلين تجرى كلها في نظام معلوم ..كذلك تؤدي الرقصات الموسيقية دورا هاما في هذه المسرحيات لذا فلابد من التنسيق بينها وبين سائر العناصر المسرحية ليكون النظام واحد في الكل .
اقرا ايضاالخروج من الجسد--راجى عنايات.PDF
اقرا ايضاكتاب عصر العلم--احمد زويل.PDF
وتجرى حركات الرأس والعيون والأطراف والأصابع كلها في نطاق مرسوم. ومسرحيات السنسكريتي ذات أتجاه عاطفي أشبه بمسرحيات "سمبلين ، و " قصة شتاء " و " العاصفة" لشكسبير ..فهذا المسرح لم يعرف ما يسمى بالمأساة (التراجيديا) في المسرح الغربي ..لكنه أقرب إلى الملهاة الرومانسية التراجيدية ذات اللغة الشاعرية بل والغنائية ..
ففيها المشاهد الجدية التي تبعث على الحزن ، وفيها إلى جانب ذلك المشاهد الكوميدية التي تتوازى الواقعية فيها وراء ستار رقيق. أما البناء المسرحي ورسم الشخصيات فكانا يخضعان للعرف التي كانت تخضع له حركات الممثل ..بالإضافة إلى إتقان خلق الجو النفسي – أو ما يطلقون عليه (الراسا) وهي إما أن تكون مسرحية حب أو مسرحية عجائب أو مسرحية بطولات، وقد مزج (طاغور) أغلب أعماله المسرحية بالدراما الفولكلورية البنغالية الشعبية أيضا .
حيث كتب أغلب أعماله بالبنغالية – لغته الأم . وغالبا ما كان يترجم مسرحياته إلى الانجليزية – كما سبق أن قلنا . وكانت هذه المسرحيات تقدم أولاً ..أما في كلكتا أو في مدرسته (سانتينكيتان) أي ( منزل السلام ) بضيعته البعيدة عن كلكتا بمائة وخمسين كيلومترا، وكان "طاغور"- غالبا – ما يظهر في تلك المسرحيات أو يقوم بإخراجها، وقد كتب ما بين أعوام 1902-1916 سلسلة من المسرحيات تعرف بإسم (مجموعة سانتينكتان) هي " سارادونشاب" و "أشالا ياتان" و "فالجون" .. وهي مسرحيات تخلو من الشخصيات النسائية ويقدمها تلاميذه في الهواء الطلق ..
أما مسرحياته المبكرة فكتبها شعرا أو نثرا شعريا تتخللها أجزاء مكتوبة باللغة العامية ، وتعد مسرحيته الأولى "عبقرية فالميكي" التي قدمت في كلكتا عام 1981 – حيث لم يكن قد قد بلغ العشرين من عمره - أقرب إلى الأوبرا منها إلى المسرحية التقليدية ..تلاها " الناسك " أو عبث الطبيعة 1883 " عبث الأوهام" 1888 ، " الملك والملكة"1889 ، و الضحية 1890 ، مملكة أوراق اللعب . ومن بين أعماله التي نالت شهرة عريضة مسرحيات "شيترا" 1913 ، " ومكتب البريد : 1914 " ، " و الدفلي الأحمر" 1924 (و الدفلي هو نبته سامة عطرة الزهرة)
وفي سنواته الأخيرة تحول طاغور إلى الدراما الراقصة أو كما في المسرح الهندي ما يسمى ( رانجاباتي) وهي ستاره صغيرة متغيرة يحملها عمال المسرح للإشارة إلى دخول الشخصيات المسرحية وتسهيل دخولهم وتأكيدهم ..كما تستخدم في المسرح الهندي الكلاسيكي المأخوذة من التقاليد الهندية ، وهي تقاليد متأصلة في المسرح الهندي تظهر في كلمة (ناتا) بمعنى مسرحية و المشتقة من كلمة ( نريتيا) ومعناها الرقص ..
ومن بين هذه المسرحيات " شيترانجادا" 1936 المأخوذة عن مسرحيته الأولى " شاياما " – والمأخوذة عن أسطورة بوذية رومانسية .. و بلغ عدد مسرحياته أكثر من ست وثلاثين مسرحية ..أي أن خشبة التمثيل عارية وفي حالة خلو تام من أية قطعة من الديكور أو اللواحق المسرحية ، أو الأثاث ، أو نحو ذلك صممت جميع مسرحيات طاغور لتقدم فوق مسرح عارى أو قليل جدا من الإكسسوار، أي أن خشبة المسرح في حالة خلو تام من أية قطعه من الديكور أو نحو ذلك أو مجرد قطع بسيطة موغلة في رمزيتها أو كما في بعض المسرحيات الطليعية المعاصرة التي قد يشترط فيها المؤلف – بداية – (عرى) المسرح تماما، ثم يبدأ في إقتراح وضع بعض قوام الأثاث البسيطة ، ( كرسي أو منضدة ).
ولم تكن المسرحيات التي يكتبها تنتظر المخرجين و المسارح التي تسعى وراء الكسب كما يحدث في العالم و إنما كان يقوم بتمثيلها أفراد أسرته وتلاميذه ، وكان يقوم بنفسه بالأدوار الهامة ..بل بدورين في المسرحية الواحدة .. كما حدث حينما مثلت مسرحية "مكتب البريد" عام 1917 في كلكلتا حيث قام بدور(جعفر الحارس ) و (الفقير) و( طاغور) المسرحي متعدد الجوانب في أساليبه المسرحية فهو – تارة في الصميم من تقاليد المسرح الهندي ، وهو تارة ثانية متأثرا بالمسرح الشكسبيري كما سبق أن أشرنا ..
ثم هو غير هذا وذاك في كثير من الأحايين.. لكنها جميعا تنتظمها ( وحدة) من حيث تصور( طاغور) للفكرة الدينية و القيم الأخلاقية. وقد كتب طاغور مسرحية " ملك الغرفة المظلمة " أو" الراجا" raja عام 1910 وهي من الأعمال التي يمكن أن يطلق عليها (مسرحية رمزية ) أو هي في الحقيقة (مسرحية صوفية) كما تبدو في ثقافة الشرق فالملك غير المنظور في هذا النص إشارة في الديانة الهندوسية إلى الثالوث الوهمي أي براهما وفشنو، شيفا وبين يديه (النفس) مرموزا إليها بالملكة (سودار شانا ) ومن ثمة تكون الغرفة المظلة هي الوعي الباطن كما يقول الأستاذ (عبد الرحمن صدقي) في كتابه طاغور و المسرح الهندي 1961 – ولقد ضلت الملكة في بادي التجربة للحظة حين وقعت عيناها علي الجمال الحسى العاطل من المعاني الروحية ممثلا في شخص الملك الزائف (سوفارنا ) Suvarna على حين أرهبتها اللمحة التي تراءت لها من الذات العليا لأنها على غير صورة البشر ..
فهى لم لم تكن قد تهيأت لمثل هذه الرؤى .أما ختام المسرحية بصدور الأمر العلى بخروج النفس الإنسانية في شخص الملكة إلى العالم الخارجي ..لأنه يذكرنا بالفكرة التي لا ينى يكررها طاغور وهي أن خلاص النفس لا يكون بلوغه بالتأمل في الخلوة فحسب بل لا يتم خلاص النفس إلا بالعمل الصالح والجهاد في الدنيا الواسعة فقد كان طاغور كما يقول عنه الشاعر البولندي ( جوزيف جلنكوسكي) – واحدا من القلة القليلة التي وهبت أعمق الصلات بالله وبالحق وبالحقيقة المطلقة ..إنه يمضي في الطريق إلى الله و إنه لأقرب الناس إلى حقيقته سبحانه ..
والجدير بالذكر ان للاستاذ عبد الغني العديد من الاسهامات والمؤلفات المسرحية مثل اللعنة من فوق المنبر، الجازية الهلالية ، الخليفة ، شجر الصفصاف، الخلوة في الجلوة ، غريب في بلبيس . تنويعات هلالية ، وعزيزة.
كتب طاغور مسرحية "الغرفة المظلمة" عام 1910، وهى مسرحية صوفية رمزية، فالغرفة المظلمة هى الوعى الباطن، كما يفسرها عبد الرحمن صدقى فى كتابه طاغور والمسرح الهندى
للتحميل اضغط : هنا