القائمة الرئيسية

الصفحات

السردية في كتاب الإمتاع ميساء سليمان الابراهيم.pdf


السردية في كتاب الإمتاع ميساء سليمان الابراهيم.pdf




إن النقد الحديث بمعطياته الجديدة، كثيراً ما كشف عن نقاط مضيئة في تراثنا العربي، كما كشف جوانب إبداعية عظيمة في أعلامه، كلما استجدت نظريات ومناهج جديدة. وقد متح النقد العربي الحديث من ينابيع النظريات الغربية، واستفاد من مناهجها في مجال التطبيق، بيد أن تجاوز خصوصية آداب كل أمة، وتطبيق المناهج أحياناً بصورة تعسفية، قد لا يفضي بالضرورة إلى نتائج مجدية، بل قد يوقع النص المدروس في شرك الاتهام بالمحدودية والانغلاق، من هنا كان الحذر في التعامل مع تلك النظريات والمناهج، بما لا يتناسب وهوية النص، ولئن انطلق هذا البحث من نظريات ومفاهيم حديثة في التعامل مع نص قديم، فإننا نعي بداية الفروق الجوهرية والفواصل الزمانية بينها، إذ إن استلهامنا نظرية السرد وأدواتها في هذا البحث لا يعني تجريد النص من حيثياته وظروفه، وقسره على مالا يتفق مع طبيعته وخصوصيته. وعلى هذا الأساس فإن النظرية التي يستعين بها هذا البحث ستطبق روحاً لا نصاً، بما يتناسب وطبيعة النص من ناحية، وبما لا يلغي مسألة الاجتهاد الشخصي، وحجة الباحث في تقديم ما هو جديد من النتائج التي هي حلقة في سلسلة معرفية، تتصل حلقاتها في كل بحث جديد لينجم عنها بناء معرفي ،يفضي إلى فهم أشمل للذات وللعالم الإنساني والحضارة التي ننتمي إليها. من هنا فمسوغات هذا البحث في كتاب تراثي قديم من منظور نظرية نقدية سردية معاصرة يأتي في إطار تقديم رؤية جديدة للنص التراثي من زاوية ربما لم تستوفها الدراسات السابقة لهذا الموضوع. -٦- وثمة مصاعب صادفها هذا البحث تتمثل في اختلاف ترجمات المصطلحات السردية بعد دخولها إلى العربية، عدا عن اختلافها في لغتها الأم، وقلة المراجع السردية المترجمة، وصعوبة الحصول عليها إن وجدت، إضافةً إلى ندرة الدراسات التطبيقية في مجال السرد، الذي يتناول التراث القديم خاصة. والتوحيدي هو أحد أعلام هذا التراث الذي امتلك ناصية الإبداع، إذ استطاع أدبه بعد قرون من موته أن ينتزع حقه المغبون في عصره، وهذا يشبه إلى حد ما في عصرنا معاناة كثير من المبدعين الذين كشف النقاب عن إبداعهم بعد موتهم. فالزمن هو المعيار الذي يسقط أمامه كل ما هو زائف وغير حقيقي، فامتلاك النص السمات الإبداعية تكسبه الحيوية والتجدد والقابلية للقراءات الجديدة في كل مرة يأتي بها العلم بجديد. لقد انطلقت النظرية السردية من مهاد النظرية البنيوية في اتكائها على النص بوصفه نظاماً مستقلاً، فالتحليل التقني لبنية السرد يستدعي بالضرورة أدوات المنهج البنيوي، وقد أظهرت استعمالات المنهج البنيوي لدى النقاد استجابته في التعامل مع نصوص السرد الحكائي على المستوى التطبيقي، من هنا كان اعتمادنا على مقولات المنهج البنيوي في توصيف العملية السردية، وتحليل مكونات البنية السردية. والكشف عن الحقائق الفنية التي ينتجها النص والتي تكسبه قيمته الأدبية. من هنا كان لا بد من أن يأتي الفصل الأول فيوضح النظرية السردية التي يستضيء بأدواتها هذا البحث، ومحاولة فرز مقولاتها المتشعبة وتصنيفها، وانتقاء ما يلاءم البحث منها في ضوء مقاربة النص للنظرية، وإيجاد الروابط المنطقية التي تجمع عرى هذا البحث بالنظرية والمنهج، من -٧- خلال تحديد النوع الذي ينتمي إليه النص وصلته بالسرد، كما ارتأينا أن نضبط بعض المصطلحات السردية التي نتعامل معها في النص، انطلاقاً من أن مسألة ضبط المصطلحات هي أهم عملية في السيطرة على أدوات المنهج. وانتقلت في الفصل الثاني إلى دراسة الراوي والمروي له بوصفهما مكونين أساسيين في البينة السردية، إذ يقتضي كل سرد بالضرورة وجود راوٍ ومروي له، وحاولت تحديد مستوى حضور الراوي من خلال التصنيفات السردية لأنواع الرواة ودرجات حضورهم، كما درست المتلقي في النص، وأنواع التلقي المركب الذي اشتمل عليه النص، إذ ميزت بين مستويين للتلقي أحدهما في الطور الشفاهي، والآخر في الكتابي، وبينت اختلاف الغايات والمقاصد في ظل التلقي المركب، وحاولت الوقوف على طبيعة العلاقة بين الراوي والمروي له، وإبراز خصوصيتها في النص المدروس. ثم تناولت في الفصل الثالث المروي بوصفه القاعدة التي تشكل عليها النص، والتي تنبثق عنها الدلالات التي ينتجها النص، وقمت بدراسة ركنيه الأساسيين: المتن الحكائي والمبنى الحكائي، فعملت في دراسة المتن على تحليله، وفرز المادة المعرفية التي يتشكل منها في أنساق اجتماعية وفلسفية وفنية وأدبية، وركزت على قضايا تتعلق بفنية الأداء مثل مرتكزات السرد والحوار ووصف الشخصيات، والوظائف اللغوية والسردية، وبناء المناظرة. كما درست أحداث الحكاية الأساسية من خلال منظور الراوي الذي يسردها. واقتضى البحث دراسة المجلس بوصفه إطاراً مكانياً. يحتوي العملية السردية في صورتها الأولى، وعالجت من منظور أشمل، الفضاء الذي تكونه اللغة السردية من خلال العلاقة القائمة بين اللغة، والسياق. 

للتحميل اضغط هنا








 
التنقل السريع